الخميس ١٣ / نوفمبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×
أهم الأخبار

عادل خفاجي يكتب: المستفيدون والخاسرون من حرية الإعلام؟!

عادل خفاجي يكتب: المستفيدون والخاسرون من حرية الإعلام؟!

مع انعقاد جلسات لجان تطوير الإعلام المنبثقة عن الهيئات الإعلامية، والتي جاءت استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعادة ضبط المشهد الإعلامي، تتجلى الإرادة السياسية الحقيقية نحو إعلام وطني حديث ومسؤول، قادر على التعبير عن المواطن ونقل نبض الشارع بصدق ومهنية، ضمن إطار من القيم والوعي والالتزام بالثوابت الوطنية.

إننا في زمنٍ تتصارع فيه الأصوات بين الحقائق والأوهام، وتبقى حرية الإعلام الميزان الأصدق لمدى نضج الشعوب ورشد الحكومات. فهي ليست خصمًا للسلطة ولا تهديدًا للاستقرار، بل صمام الأمان للدولة والمجتمع معًا. غير أن البعض، من أصحاب المصالح والأنظمة المغلقة، ما زالوا يخشون هذا النور، لأن الحقيقة عندهم خطر، والشفافية عدوّ.

حين يكون الإعلام حرًّا ومسؤولًا، فإنه يتحول إلى بوصلة الوعي التي ترشد الدولة إلى مواقع الخلل، وتمنح المواطن القدرة على الفهم والمشاركة والمساءلة. لقد أثبتت تجارب الأمم المتقدمة أن المجتمعات التي تحترم حرية الإعلام هي الأكثر استقرارًا سياسيًّا ونضجًا اقتصاديًّا. فالصحافة الحرة في الدول الإسكندنافية أو في كندا مثلًا، كانت ولا تزال أداة فاعلة لمحاربة الفساد وترسيخ ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، حتى أصبحت الثقة بين الحاكم والمحكوم قاعدة لا استثناء فيها.

لقد جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة والهيئات الإعلامية، ممثلة في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، لإعادة ضبط المشهد الإعلامي، لتؤكد سعيه الدائم لمساندة الإعلام والصحافة، وتدلّل على أن حرية الإعلام وتطويره هدفٌ رئيسي تسعى إليه القيادة السياسية، إدراكًا منه لأهمية دوره التنويري والوطني في النهوض بالوطن. فالإعلام — برؤيته تلك — يصبح خط الدفاع الأول عن الدولة وذراعها في الداخل والخارج ضد المتربصين بها. كما أن قيام الرئيس السيسي بإعادة قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لإجراء تعديلات بمواد القانون، يعكس إيمانه الراسخ ورؤيته الثاقبة بحق المواطن في إجراءات قانونية عادلة تحفظ حقه وكرامته وتكفل حريته بالشكل اللائق.

أما في المقابل، فحين يُكمَّم الإعلام أو يُرهَب الصحفيون، تنمو الشائعات كما تنمو الأعشاب السامة في غياب الضوء، وتختنق الحقيقة خلف الجدران، فيتآكل الوعي العام وتُفتح الأبواب أمام الفساد والاحتكار وسوء الإدارة. الدولة الرشيدة لا تخاف الحقيقة، بل تستعين بالإعلام شريكًا في الإصلاح، فالكلمة الصادقة تضيء الطريق أمام القرار الصائب، والنقد الموضوعي لا يهدد الدولة بل يحميها من الانزلاق إلى الأخطاء المتكررة. وكما قال أحد رؤساء الحكومات الغربيين: “إن الصحافة الحرة قد تُزعجنا، لكنها تنقذنا من الجهل الذي يقتل الأمم.”

الخاسرون من حرية الإعلام معروفون؛ إنهم أولئك الذين يختبئون وراء ستائر السرية والغموض، يخشون الكلمة لأنهم يخشون انكشاف حقيقتهم. إنهم الفاسدون والمستبدون والمنتفعون من غياب الشفافية. هؤلاء لا يزعجهم الإعلام فقط، بل تُرعبهم الحقيقة لأنها تهدد امتيازاتهم ومصالحهم غير المشروعة. هم من يريدون إعلامًا مطيعًا، لا يسأل ولا يناقش، إعلامًا يصفق للباطل ويصمت أمام الخطأ، لأنهم ببساطة لا يعيشون إلا في الظلام، وكل ضوءٍ يقترب منهم يكشف قبح ما يخفونه.

والمفارقة أن المسؤول الذي يخشى حرية الإعلام ويعمل على تقييدها، أياً كان موقعه، هو مشروع مسؤولٍ سابق مهما طال بقاؤه في المنصب. ستدور الأيام، وتتحول الموازين، فيجد نفسه أو يجد أبناءه يومًا بين عامة الناس، يتمنى لو سادت حرية الإعلام التي حاربها بالأمس، لأنها وحدها الكفيلة بضمان الحقوق وردّ المظالم في إطار من القيم والقانون. وكم من مسؤولٍ سابقٍ رأيناه يتحسس اليوم أبواب العدالة، ويستجدي الكلمة الحرة لتدفع عنه ظلمًا أو تُنصف أسرته، بعد أن كان بالأمس يخشاها ويكمم أفواهها!

إن حرية الإعلام لا تعني الفوضى، بل تعني المسؤولية والوعي والضمير. فالإعلام الحر لا يعيش على الشائعات أو التشهير، بل على الصدق والمهنية واحترام القيم. الحرية الحقيقية هي التي توازن بين حق المواطن في المعرفة وحق المجتمع في الاستقرار، وتعمل على بناء وعي جماعي ينهض بالأمة ولا يفرقها.

وفي النهاية، حرية الإعلام ليست معركة بين الدولة والصحافة، بل قضية وعي وحضارة. من يكسبها تُفتح له أبواب الإصلاح، ومن يخشاها يظل حبيس التخلف والخوف. والمجتمع الذي يقدّر الكلمة الصادقة ويمنحها الحق في أن تُقال، هو المجتمع الذي يسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر عدلًا وازدهارًا. أما الذين يُعادون الحرية ويخافون الحقيقة، فسيظلون — مهما امتلكوا من نفوذ — الخاسرين الحقيقيين في معركة الوعي والتاريخ.